بسم الله الرحمن الرحيم
تأليف القلوب
شعارنا: إنا نحبكم في الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فلما كان موقعنا للربانية يتسم بالربانية - التي من أهم سماتها الحب في الله، والتآلف والاجتماع، وعدم التفرق، وطهارة القلوب من الأحقاد والضغائن، ودوام سلامة القلب للمسلمين جميعا، والنصح لهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، ولا شك أن اجتماع قلوب المؤمنين وتآلفها من أعظم عوامل النصر والتمكين- كان من أهم أدوارنا في هذا الموقع جمع شمل المسلمين، والتأليف بين القلوب، والدعوة إلى الائتلاف، والاتسام بأدب الخلاف، وعدم التشنيع على المخالف، فإن من سمات المنافق أنه إذا خاصم فجر.
والائتلاف سمة أهل الحق، سمة المؤمن، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ} [آل عمران:106]، قال:" تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ”من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]، ويقول سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، ويقول عز وجل: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة“.
كما أنه لا يخفى أنه في أزمنة الفتن وغربة الدين، وفي الأماكن التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة يغتفر للمخالف ما لا يغتفر له في غيرها نظرا لخفاء الحجة أو لندرة من يقوم بها، وأن معاملة أهل البدع تتفاوت في الهجر والمجافاة إلى التأليف والمداراة بحسب المصلحة أو المفسدة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين.
وإن استصحاب هذه القواعد في واقعنا المعاصر يقتضي أن نستصحب الرفق مع مريدي الهدى وطلاب النجاة ممن تلبسوا ببعض المخالفات أو البدع الجزئية -علمية كانت أو عملية-
وإن أهل العلم بالسنة والحرص على متابعتها لأرجى الناس إدراكا لخطورة التفرق في الدين، وأنه من أعظم أسباب فساد الأمة وخذلانها كما يذكر شيخ الإسلام:
”التفرق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف، حتى يصير بعضهم يبغض بعضا ويعاديه ويحب بعضا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز واللمز، وببعضهم إلى المهاجرة والمقاطعة، حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض.. هذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله. والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله“.
ولذلك فإنهم مدعون إلى رأب هذا الصدع، وقطع دابر الفتنة، بل إلى قيادة السعي لهذه الغاية بما فهموا من السنة وبما تحققوا به من علوم السلف الصالح، وأن يكونوا أجلد الناس في طلبها وأحرص الناس على تلبية دعوتها.
ولما كان أخطر أسباب الفرقة والاختلاف والتشرذم وانتشار العداوة والبغضاء بين المسلمين هو الاختلاف في مسائل العلم، قال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]، لذلك فإننا سنعرض كيفية تخطي هذه المسألة من خلال ثلاث قواعد وأسس في هذه المقالة من شأن فهمها ودراستها وتداولها ومناقشتها تقريب وجهات النظر، وتضييق الهوة بين المختلفين إن كانوا جميعا يبغون الحق فيما بينهم، فمع تحري الإخلاص والصدق والابتعاد عن الخلافات الشخصية والأهواء سيكون السبيل مازال ممكنا للتآلف والتجميع والتقريب، ولذا يجب أن نفهم ثلاث قواعد مهمة في هذا الموضوع هي:
أولا: ليس المحذور جريان الخلاف في الفرعيات، وإنما المحذور هو التعصب والبغي على المخالف:
ذلك أن الخلاف في المسائل الفرعية واقع لا محالة، بل لا نُبْعِدُ إن قلنا: إن قدرا منه مقصود ابتداءً للشارع؛ إذ لو شاء الله أن ينزل القرآن على نحو لا يحتمل في الفهم إلا وجها واحدا ما أعجزه ذلك، ولو شاء أن تكون السنة على نحو لا يحتمل إلا وجها واحدا ما أعجزه ذلك كذلك، ولكنه جعل كثيرا من نصوص القرآن والسنة على نحو يحتمل في الفهم وجوها متعددة؛ ليدل على أن من هذا الاختلاف ما هو مقصود ابتداء للشارع، ليكون توسعة على العباد ورحمة بالأمة.
ولقد صنف رجل كتابا في الاختلاف فقال له الإمام أحمد: ” لا تسمه (كتاب الاختلاف) ولكن سمه (كتاب السعة) "، وشاع على ألسنة العلماء أن: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. يقول الشاطبي رحمه الله: ”فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف“.
وقال الزركشي رحمه الله: ”اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة، بل جعلها ظنية قصدا للتوسيع على المكلفين، لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل القاطع “.
ولهذا لم تتجه إرادة السلف إلى حسمه على مستوى الأمة، وإنما كان اعتناؤهم بإحياء فقه الاختلاف وأدب الخلاف، وأن يتعلم الناس كيف يسعهم ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من أئمة الدين، ومن لم يسعه ما وسعهم فلا أوسع الله عليه.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ”وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة“.
ولهذا لما طلب ثلاثة من خلفاء بني العباس من الإمام مالك رحمه الله أن يحملوا الأمة على كتاب الموطأ، وأن يجمعوا كلمتها حوله لم يجبهم إلى ذلك، وكان ذلك -كما يقول ابن كثير- من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وهؤلاء الثلاثة هم الخليفة أبو جعفر المنصور وابنه المهدي وحفيده هارون الرشيد، وكان مما قاله للمنصور كما في رواية ابن عساكر: ”لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث وروايات، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم"
فقال:"لعمري لو طاوعني على ذلك لأمرت به“.
وفي رواية ابن عبد البر أنه قال:".. يا أمير المؤمنين؛ قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير“.
قال عمر بن عبد العزيز: ”ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا، كان في الأمر سعة“.
وقال القاسم بن محمد: ”لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله“.
ولكن هذه التوسعة لا تعني أخذ الدين بالهوى والتشهي، وإنما تعني أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد في هذه المسائل، وسنوا لهم سنة الاختلاف فيها مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين؛ فالمجتهد يأخذ بما أداه إليه اجتهاده، والعامي في سعة أن يقلد أوثقهم عنده.
قال الشاطبي رحمه الله: ”ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه؛ لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة كما تقدم، فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم، مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف ما لا يطاق، وذلك من أعظم الضيق، فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفرعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم: {مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [هود:119] ؟! فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها، والحمد لله“.
ويقول إسماعيل القاضي فيما نقله عنه ابن عبد البر: ”إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن تكون توسعة لأن يقول إنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا".
ثانيا: إن الخطأ المغفور في الاجتهاد في المسائل الفرعية يتناول الأمور العلمية والأمور العملية على حد سواء:
فهو ليس خاصا بفروع العمل فحسب كما قد يتوهم بعضهم، فيجب أن يفرق بين من يغلط بتأويل صفة من الصفات، وبين من يتحزب على مبدأ التأويل والتعطيل للصفات كافة؛ فلقد أثر عن بعض السلف إنكار الرؤية متأولا في ذلك قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وعن بعضهم إنكار أن الله تعالى يعجب لاعتقاده أن العجب إنما يكون عن جهل، والله منزه عن ذلك، وعن بعضهم إنكار أن الله يريد المعاصي، لاعتقادهم أن الإرادة تتضمن الرضا والمحبة حتما، والله لا يرضى عن الكفر ولا عن الفسوق؛ إلى غير ذلك من فروع المسائل العلمية التي لم يخرجهم غلطهم فيها عن دائرة أهل السنة والجماعة، فيجب التفريق بين الغلط الجزئي وبين التحزب على قاعدة كلية تخالف ما عليه الفرقة الناجية، و قد جعل الله لكل شيء قدرا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
”والخطأ المغفور له في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية، كما قد بسط في غير موقع، كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه، مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته، أو اعتقد أن الله لا يُرى، لقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، ولقوله: {و َمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يدلان بطريق العموم، وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يُرى، وفسروا قوله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] بأنها تنتظر ثواب ربها، كما نقل عن مجاهد وأبي صالح. أو اعتقد أن الله لا يَعْجَب، كما اعتقد ذلك شريح، لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل... أو اعتقد أن بعض الكلمات أو الآيات ليست من القرآن؛ لأن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت، كما نقل عن غير واحد من السلف أنهم أنكروا ألفاظا من القرآن؛ كإنكار بعضهم: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء:23]، وقال: إنما هي: (ووصى ربك). وإنكار بعضهم قوله:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران:81]، وقال: إنما هو (ميثاق بني إسرائيل) وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكار بعضهم: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد:31] وقال: إنما هي: (أولم يتبين الذين آمنوا). وكما أنكر عمر على هشام بن الحكم لما رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها. وكما أنكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها، حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام. وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي، لاعتقادهم أن معنى ذلك أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به، وأنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لكونهم ظنوا أن الإرادة لا تكون إلا بمعنى المشيئة لخلقها، وقد علموا أن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكن كل طائفة عرفت أحد المعنيين وأنكرت الآخر. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا مت فاحرقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين). وكما قد ذكر طائفة من السلف في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد:5]، وفي قول الحواريين: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} [المائدة:112]، وكالصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه، وكثير من الناس لا يعلم ذلك، إما لأنه لم تبلغه الأحاديث، وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط “.
وقال في موضع آخر:
”وإنني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية“.
وقال في موضع آخر:
”وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها؛ فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا من كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام ".
ثالثا: إن الأصل في الخلاف المتعلق بتحقيق المناط، وإدراج الجزئي المعين في نطاق القاعدة الكلية التي تشمله: أنه من جنس الخلاف في الفرعيات
التي لا يشنع فيها على المخالف، ولا يقدح به في دينه ولا في عدالته؛ لارتباطه بالدراية بالواقع أكثر من ارتباطه بالعلم بالشرع، وإنما يتكلم فيه بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن رجح القول الآخر اجتهادا إن كان من أهل الاجتهاد، أو تقليدا لمن يثق في دينه وعلمه إن كان من العوام، فلا تثريب عليه.
يقول الشاطبي رحمه الله عند الحديث عن هذا النوع من الاجتهاد: ”فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله، وذلك أن الشارع إذا قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُم} [الطلاق:2]، وثبت عندنا معنى العدالة شرعا افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة على حد سواء، بل يختلف ذلك اختلافا متباينا؛ فإننا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة؛ طرفا أعلى في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق، وطرفا آخر وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف؛ كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام، فضلا عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر، وهذا الوسط غامض، لابد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد“.
ويبين وجه الحاجة إلى هذا الاجتهاد ودقته فيقول: ”ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وليس ما به الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق، ولا هو طردي بإطلاق، بل ذلك منقسم إلى الضربين، وبينهما قسم ثالث يأخذ بجهة من الطرفين، فلا تبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل، فإذا أخذت بشبه من الطرفين فالأمر أصعب، وهذا كله بين لمن شدا في العلم“.
ولقد بين رحمه الله أن تعلق هذا الاجتهاد بالعلم الواقع أكثر من تعلقه بالعلم بالشرع، ولذلك لا يشترط فيه العلم بمقاصد الشرع، ولا العلم بالعربية، ولا غير ذلك من الشرائط المعتبرة في النوع الآخر من الاجتهاد، وهو الاجتهاد في إدراك الأحكام الشرعية فيقول رحمه الله:
”قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط، فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع، كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية؛ لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه، وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به، من حيث قصدت المعرفة به، فلابد أن يكون المجتهد عارفا ومجتهدا من تلك الجهة التي ينظر فيها، ليتنزل الحكم الشرعي على وفق ذلك المقتضى، كالمحدث العارف بأحوال الأسانيد وطرقها، وصحيحها من سقيمها، وما يحتج به من متونها مما لا يحتج به؛ فهذا يعتبر اجتهادا فيما هو عارف به سواء كان عالما بالعربية أم لا، وعارفا بمقاصد الشارع أم لا“.
ويضرب الشيخ عبد الله دراز مثالا لذلك في تعليقه على (الموافقات) فيقول:
”خذ هذا المثال لزيادة الإيضاح: الحكم الشرعي أن من يعتريه المرض، أو يتأخر برؤه بسبب استعمال الماء، يرخص له في التيمم، فإذا أردنا معرفة الحكم الشرعي بالنسبة لمريض ليرخص له أو لا يرخص، فإننا لا نحتاج إلى اللغة العربية، ولا إلى معرفة مقاصد الشرع في باب التيمم فضلا عن سائر الأبواب، إنما يلزم أن نعرف بالطريق الموصل: هل يحصل ضرر، فيتحقق المناط ؟ أم لا، فلا يتحقق ؟ ولا شأن لهذا بواحد من الأمرين، إنما يعرف بالتجارب في الشخص نفسه، أو في أمثاله، أو بتقرير طبيب عارف“.
ولابد من تطبيق عملي لأهمية هذا الضابط، ودوره في حسم كثير من الفتن التي ذر قرنها في أوساط الحركة الإسلامية، لعدم تفريق بعض المنتسبين إليها بين الحكم الشرعي في ذاته، وبين تحقيقه في مناط معين، وأن كون الأول قطعيا لا يعني بالضرورة أن يكون كذلك عند التعيين؛ فتحريم الخمر على سبيل المثال قطعي، بل من المعلوم من الدين بالضرورة، وكون العلة في تحريمها هو الإسكار قطعي كذلك، ولكن تحقيق هذا المناط في جزئي بعينه قد يكون ظنيا وتتفاوت فيه الآراء.
ورَد ُّ الحكم الشرعي َّ كفر ٌ أكبر، وهو من المعلوم بالدين بالضرورة كذلك، ولكن تحقيقه في مناط معين بأن يقال: قد تحقق الرَّد ُّ في هذه الصورة أو لم يتحقق قد يكون ظنيًا. وأصل ُ اعتبار الإكراه والجهل عند إجراء الأحكام قطعي كذلك، ولكن تحقيقه في مناط معين قد يكون ظنيا، لتفاوت درجات الإكراه وأنواع الجهل، ومدى اعتبار الظروف التي أحاطت بالجاهل أو المكره، أو عدم اعتبارها، وللظنون في مثل ذلك مجال.
ونحن لا ننكر أن هناك صورا يبدو فيها تحقيق المناط في غاية الجلاء، لا يختلف فيه اثنان من العقلاء، ومثل هذه الصور ليست هي التي توجب النزاع ولا الاختلاف، وإنما يتأتى النزاع والاختلاف عند الالتباس، أو في ذلك الوسط الغامض الذي يقع بين الطرف الأعلى الذي يقطع فيه بتحقق المناط، وبين الطرف الآخر بانتفائه، والذي لابد فيه من بلوغ حد الوسع وهو الاجتهاد، كما يقول الشاطبي رحمه الله.
نصيحتي إذاً أنه:
ينبغي على كل العاملين في الحركات الإسلامية أن يدرسوا ويفقهوا جيدا قضية (تحقيق المناط) لتحقيق سعة الصدر في قبول رأي المخالف، وعدم البغي والتعصب على المخالف؛ فليس كل خلاف يكون غير سائغ؛ بل هناك الخلاف السائغ الذي وسع سلفنا، وما يسع سلفنا يسعنا ولا شك، والخطأ الجزئي مغفور لمن لم يتحزب على قاعدة كلية تخالف ما عليه الفرقة الناجية، والهدف من كل ذلك تحقيق أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله؛ الاجتماع والائتلاف.
إذًا فللخلاف فقه ينبغي أن يدرسه الجميع؛ لتتآلف القلوب، وتواصل سيرها إلى الله، بدلا من أن تقف وتوقف من حولها.. فإن كان ثمة خلاف فليكن رحمة لا عذابا.
إخوتي في الله
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فلماذا تكونون أنتم عذاباً على إخوانكم؟!
لقد آن لنا أن نتوب إلى الله ونستغفره من كل ما بدر منا من إساءات لإخواننا.. وفرق بين من يقف على القنطرة يوم القيامة، وبين من يدخل الجنة مباشرة، وبين من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
اللهم اجمعنا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين..
اللهم ألف بين قلوبنا..
اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ} [المائدة:54]
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ *} [يونس:85، 86]
{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]
آميــــــــــن... آميـــــــــن... آميـــــــــن
وصلى الله على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
تأليف القلوب
شعارنا: إنا نحبكم في الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فلما كان موقعنا للربانية يتسم بالربانية - التي من أهم سماتها الحب في الله، والتآلف والاجتماع، وعدم التفرق، وطهارة القلوب من الأحقاد والضغائن، ودوام سلامة القلب للمسلمين جميعا، والنصح لهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، ولا شك أن اجتماع قلوب المؤمنين وتآلفها من أعظم عوامل النصر والتمكين- كان من أهم أدوارنا في هذا الموقع جمع شمل المسلمين، والتأليف بين القلوب، والدعوة إلى الائتلاف، والاتسام بأدب الخلاف، وعدم التشنيع على المخالف، فإن من سمات المنافق أنه إذا خاصم فجر.
والائتلاف سمة أهل الحق، سمة المؤمن، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ} [آل عمران:106]، قال:" تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ”من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]، ويقول سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، ويقول عز وجل: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة“.
كما أنه لا يخفى أنه في أزمنة الفتن وغربة الدين، وفي الأماكن التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة يغتفر للمخالف ما لا يغتفر له في غيرها نظرا لخفاء الحجة أو لندرة من يقوم بها، وأن معاملة أهل البدع تتفاوت في الهجر والمجافاة إلى التأليف والمداراة بحسب المصلحة أو المفسدة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين.
وإن استصحاب هذه القواعد في واقعنا المعاصر يقتضي أن نستصحب الرفق مع مريدي الهدى وطلاب النجاة ممن تلبسوا ببعض المخالفات أو البدع الجزئية -علمية كانت أو عملية-
وإن أهل العلم بالسنة والحرص على متابعتها لأرجى الناس إدراكا لخطورة التفرق في الدين، وأنه من أعظم أسباب فساد الأمة وخذلانها كما يذكر شيخ الإسلام:
”التفرق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف، حتى يصير بعضهم يبغض بعضا ويعاديه ويحب بعضا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز واللمز، وببعضهم إلى المهاجرة والمقاطعة، حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض.. هذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله. والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله“.
ولذلك فإنهم مدعون إلى رأب هذا الصدع، وقطع دابر الفتنة، بل إلى قيادة السعي لهذه الغاية بما فهموا من السنة وبما تحققوا به من علوم السلف الصالح، وأن يكونوا أجلد الناس في طلبها وأحرص الناس على تلبية دعوتها.
ولما كان أخطر أسباب الفرقة والاختلاف والتشرذم وانتشار العداوة والبغضاء بين المسلمين هو الاختلاف في مسائل العلم، قال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]، لذلك فإننا سنعرض كيفية تخطي هذه المسألة من خلال ثلاث قواعد وأسس في هذه المقالة من شأن فهمها ودراستها وتداولها ومناقشتها تقريب وجهات النظر، وتضييق الهوة بين المختلفين إن كانوا جميعا يبغون الحق فيما بينهم، فمع تحري الإخلاص والصدق والابتعاد عن الخلافات الشخصية والأهواء سيكون السبيل مازال ممكنا للتآلف والتجميع والتقريب، ولذا يجب أن نفهم ثلاث قواعد مهمة في هذا الموضوع هي:
أولا: ليس المحذور جريان الخلاف في الفرعيات، وإنما المحذور هو التعصب والبغي على المخالف:
ذلك أن الخلاف في المسائل الفرعية واقع لا محالة، بل لا نُبْعِدُ إن قلنا: إن قدرا منه مقصود ابتداءً للشارع؛ إذ لو شاء الله أن ينزل القرآن على نحو لا يحتمل في الفهم إلا وجها واحدا ما أعجزه ذلك، ولو شاء أن تكون السنة على نحو لا يحتمل إلا وجها واحدا ما أعجزه ذلك كذلك، ولكنه جعل كثيرا من نصوص القرآن والسنة على نحو يحتمل في الفهم وجوها متعددة؛ ليدل على أن من هذا الاختلاف ما هو مقصود ابتداء للشارع، ليكون توسعة على العباد ورحمة بالأمة.
ولقد صنف رجل كتابا في الاختلاف فقال له الإمام أحمد: ” لا تسمه (كتاب الاختلاف) ولكن سمه (كتاب السعة) "، وشاع على ألسنة العلماء أن: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. يقول الشاطبي رحمه الله: ”فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف“.
وقال الزركشي رحمه الله: ”اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة، بل جعلها ظنية قصدا للتوسيع على المكلفين، لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل القاطع “.
ولهذا لم تتجه إرادة السلف إلى حسمه على مستوى الأمة، وإنما كان اعتناؤهم بإحياء فقه الاختلاف وأدب الخلاف، وأن يتعلم الناس كيف يسعهم ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من أئمة الدين، ومن لم يسعه ما وسعهم فلا أوسع الله عليه.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ”وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة“.
ولهذا لما طلب ثلاثة من خلفاء بني العباس من الإمام مالك رحمه الله أن يحملوا الأمة على كتاب الموطأ، وأن يجمعوا كلمتها حوله لم يجبهم إلى ذلك، وكان ذلك -كما يقول ابن كثير- من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وهؤلاء الثلاثة هم الخليفة أبو جعفر المنصور وابنه المهدي وحفيده هارون الرشيد، وكان مما قاله للمنصور كما في رواية ابن عساكر: ”لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث وروايات، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم"
فقال:"لعمري لو طاوعني على ذلك لأمرت به“.
وفي رواية ابن عبد البر أنه قال:".. يا أمير المؤمنين؛ قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير“.
قال عمر بن عبد العزيز: ”ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا، كان في الأمر سعة“.
وقال القاسم بن محمد: ”لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله“.
ولكن هذه التوسعة لا تعني أخذ الدين بالهوى والتشهي، وإنما تعني أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد في هذه المسائل، وسنوا لهم سنة الاختلاف فيها مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين؛ فالمجتهد يأخذ بما أداه إليه اجتهاده، والعامي في سعة أن يقلد أوثقهم عنده.
قال الشاطبي رحمه الله: ”ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه؛ لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة كما تقدم، فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم، مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف ما لا يطاق، وذلك من أعظم الضيق، فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفرعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم: {مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [هود:119] ؟! فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها، والحمد لله“.
ويقول إسماعيل القاضي فيما نقله عنه ابن عبد البر: ”إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن تكون توسعة لأن يقول إنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا".
ثانيا: إن الخطأ المغفور في الاجتهاد في المسائل الفرعية يتناول الأمور العلمية والأمور العملية على حد سواء:
فهو ليس خاصا بفروع العمل فحسب كما قد يتوهم بعضهم، فيجب أن يفرق بين من يغلط بتأويل صفة من الصفات، وبين من يتحزب على مبدأ التأويل والتعطيل للصفات كافة؛ فلقد أثر عن بعض السلف إنكار الرؤية متأولا في ذلك قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وعن بعضهم إنكار أن الله تعالى يعجب لاعتقاده أن العجب إنما يكون عن جهل، والله منزه عن ذلك، وعن بعضهم إنكار أن الله يريد المعاصي، لاعتقادهم أن الإرادة تتضمن الرضا والمحبة حتما، والله لا يرضى عن الكفر ولا عن الفسوق؛ إلى غير ذلك من فروع المسائل العلمية التي لم يخرجهم غلطهم فيها عن دائرة أهل السنة والجماعة، فيجب التفريق بين الغلط الجزئي وبين التحزب على قاعدة كلية تخالف ما عليه الفرقة الناجية، و قد جعل الله لكل شيء قدرا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
”والخطأ المغفور له في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية، كما قد بسط في غير موقع، كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه، مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته، أو اعتقد أن الله لا يُرى، لقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، ولقوله: {و َمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يدلان بطريق العموم، وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يُرى، وفسروا قوله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] بأنها تنتظر ثواب ربها، كما نقل عن مجاهد وأبي صالح. أو اعتقد أن الله لا يَعْجَب، كما اعتقد ذلك شريح، لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل... أو اعتقد أن بعض الكلمات أو الآيات ليست من القرآن؛ لأن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت، كما نقل عن غير واحد من السلف أنهم أنكروا ألفاظا من القرآن؛ كإنكار بعضهم: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء:23]، وقال: إنما هي: (ووصى ربك). وإنكار بعضهم قوله:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران:81]، وقال: إنما هو (ميثاق بني إسرائيل) وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكار بعضهم: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد:31] وقال: إنما هي: (أولم يتبين الذين آمنوا). وكما أنكر عمر على هشام بن الحكم لما رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها. وكما أنكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها، حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام. وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي، لاعتقادهم أن معنى ذلك أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به، وأنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لكونهم ظنوا أن الإرادة لا تكون إلا بمعنى المشيئة لخلقها، وقد علموا أن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكن كل طائفة عرفت أحد المعنيين وأنكرت الآخر. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا مت فاحرقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين). وكما قد ذكر طائفة من السلف في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد:5]، وفي قول الحواريين: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} [المائدة:112]، وكالصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه، وكثير من الناس لا يعلم ذلك، إما لأنه لم تبلغه الأحاديث، وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط “.
وقال في موضع آخر:
”وإنني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية“.
وقال في موضع آخر:
”وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها؛ فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا من كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام ".
ثالثا: إن الأصل في الخلاف المتعلق بتحقيق المناط، وإدراج الجزئي المعين في نطاق القاعدة الكلية التي تشمله: أنه من جنس الخلاف في الفرعيات
التي لا يشنع فيها على المخالف، ولا يقدح به في دينه ولا في عدالته؛ لارتباطه بالدراية بالواقع أكثر من ارتباطه بالعلم بالشرع، وإنما يتكلم فيه بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن رجح القول الآخر اجتهادا إن كان من أهل الاجتهاد، أو تقليدا لمن يثق في دينه وعلمه إن كان من العوام، فلا تثريب عليه.
يقول الشاطبي رحمه الله عند الحديث عن هذا النوع من الاجتهاد: ”فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله، وذلك أن الشارع إذا قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُم} [الطلاق:2]، وثبت عندنا معنى العدالة شرعا افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة على حد سواء، بل يختلف ذلك اختلافا متباينا؛ فإننا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة؛ طرفا أعلى في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق، وطرفا آخر وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف؛ كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام، فضلا عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر، وهذا الوسط غامض، لابد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد“.
ويبين وجه الحاجة إلى هذا الاجتهاد ودقته فيقول: ”ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وليس ما به الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق، ولا هو طردي بإطلاق، بل ذلك منقسم إلى الضربين، وبينهما قسم ثالث يأخذ بجهة من الطرفين، فلا تبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل، فإذا أخذت بشبه من الطرفين فالأمر أصعب، وهذا كله بين لمن شدا في العلم“.
ولقد بين رحمه الله أن تعلق هذا الاجتهاد بالعلم الواقع أكثر من تعلقه بالعلم بالشرع، ولذلك لا يشترط فيه العلم بمقاصد الشرع، ولا العلم بالعربية، ولا غير ذلك من الشرائط المعتبرة في النوع الآخر من الاجتهاد، وهو الاجتهاد في إدراك الأحكام الشرعية فيقول رحمه الله:
”قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط، فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع، كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية؛ لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه، وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به، من حيث قصدت المعرفة به، فلابد أن يكون المجتهد عارفا ومجتهدا من تلك الجهة التي ينظر فيها، ليتنزل الحكم الشرعي على وفق ذلك المقتضى، كالمحدث العارف بأحوال الأسانيد وطرقها، وصحيحها من سقيمها، وما يحتج به من متونها مما لا يحتج به؛ فهذا يعتبر اجتهادا فيما هو عارف به سواء كان عالما بالعربية أم لا، وعارفا بمقاصد الشارع أم لا“.
ويضرب الشيخ عبد الله دراز مثالا لذلك في تعليقه على (الموافقات) فيقول:
”خذ هذا المثال لزيادة الإيضاح: الحكم الشرعي أن من يعتريه المرض، أو يتأخر برؤه بسبب استعمال الماء، يرخص له في التيمم، فإذا أردنا معرفة الحكم الشرعي بالنسبة لمريض ليرخص له أو لا يرخص، فإننا لا نحتاج إلى اللغة العربية، ولا إلى معرفة مقاصد الشرع في باب التيمم فضلا عن سائر الأبواب، إنما يلزم أن نعرف بالطريق الموصل: هل يحصل ضرر، فيتحقق المناط ؟ أم لا، فلا يتحقق ؟ ولا شأن لهذا بواحد من الأمرين، إنما يعرف بالتجارب في الشخص نفسه، أو في أمثاله، أو بتقرير طبيب عارف“.
ولابد من تطبيق عملي لأهمية هذا الضابط، ودوره في حسم كثير من الفتن التي ذر قرنها في أوساط الحركة الإسلامية، لعدم تفريق بعض المنتسبين إليها بين الحكم الشرعي في ذاته، وبين تحقيقه في مناط معين، وأن كون الأول قطعيا لا يعني بالضرورة أن يكون كذلك عند التعيين؛ فتحريم الخمر على سبيل المثال قطعي، بل من المعلوم من الدين بالضرورة، وكون العلة في تحريمها هو الإسكار قطعي كذلك، ولكن تحقيق هذا المناط في جزئي بعينه قد يكون ظنيا وتتفاوت فيه الآراء.
ورَد ُّ الحكم الشرعي َّ كفر ٌ أكبر، وهو من المعلوم بالدين بالضرورة كذلك، ولكن تحقيقه في مناط معين بأن يقال: قد تحقق الرَّد ُّ في هذه الصورة أو لم يتحقق قد يكون ظنيًا. وأصل ُ اعتبار الإكراه والجهل عند إجراء الأحكام قطعي كذلك، ولكن تحقيقه في مناط معين قد يكون ظنيا، لتفاوت درجات الإكراه وأنواع الجهل، ومدى اعتبار الظروف التي أحاطت بالجاهل أو المكره، أو عدم اعتبارها، وللظنون في مثل ذلك مجال.
ونحن لا ننكر أن هناك صورا يبدو فيها تحقيق المناط في غاية الجلاء، لا يختلف فيه اثنان من العقلاء، ومثل هذه الصور ليست هي التي توجب النزاع ولا الاختلاف، وإنما يتأتى النزاع والاختلاف عند الالتباس، أو في ذلك الوسط الغامض الذي يقع بين الطرف الأعلى الذي يقطع فيه بتحقق المناط، وبين الطرف الآخر بانتفائه، والذي لابد فيه من بلوغ حد الوسع وهو الاجتهاد، كما يقول الشاطبي رحمه الله.
نصيحتي إذاً أنه:
ينبغي على كل العاملين في الحركات الإسلامية أن يدرسوا ويفقهوا جيدا قضية (تحقيق المناط) لتحقيق سعة الصدر في قبول رأي المخالف، وعدم البغي والتعصب على المخالف؛ فليس كل خلاف يكون غير سائغ؛ بل هناك الخلاف السائغ الذي وسع سلفنا، وما يسع سلفنا يسعنا ولا شك، والخطأ الجزئي مغفور لمن لم يتحزب على قاعدة كلية تخالف ما عليه الفرقة الناجية، والهدف من كل ذلك تحقيق أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله؛ الاجتماع والائتلاف.
إذًا فللخلاف فقه ينبغي أن يدرسه الجميع؛ لتتآلف القلوب، وتواصل سيرها إلى الله، بدلا من أن تقف وتوقف من حولها.. فإن كان ثمة خلاف فليكن رحمة لا عذابا.
إخوتي في الله
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فلماذا تكونون أنتم عذاباً على إخوانكم؟!
لقد آن لنا أن نتوب إلى الله ونستغفره من كل ما بدر منا من إساءات لإخواننا.. وفرق بين من يقف على القنطرة يوم القيامة، وبين من يدخل الجنة مباشرة، وبين من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
اللهم اجمعنا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين..
اللهم ألف بين قلوبنا..
اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ} [المائدة:54]
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ *} [يونس:85، 86]
{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]
آميــــــــــن... آميـــــــــن... آميـــــــــن
وصلى الله على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
الثلاثاء يناير 15, 2013 11:55 pm من طرف اوم الخير
» نآيس منتدي
السبت نوفمبر 03, 2012 1:39 am من طرف اوم الخير
» خطوبة المشرفة ابلة احلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 8:40 pm من طرف ɷ ᴚεмo
» طق طق طق انا جييت :>
الخميس أكتوبر 04, 2012 8:18 pm من طرف sweet-soso
» برنامج Remote Administrator Control مع التفعيل و الشرح
الثلاثاء سبتمبر 18, 2012 12:26 pm من طرف اوم الخير
» كيف لا أغار على أمَي عائشة و الله يغار لها ؟!
الخميس أغسطس 30, 2012 1:28 am من طرف حنان
» إجماع المسلمين على كفر من قذف عائشه رضي الله عنها
الخميس أغسطس 30, 2012 1:15 am من طرف حنان
» بكل الحب اتيتكم
الأربعاء أغسطس 29, 2012 8:51 pm من طرف حنان
» ممكن ترحيب بمسك الجنة
الأربعاء أغسطس 29, 2012 8:43 pm من طرف حنان